برسم صورتي

Tuesday, November 07, 2006

ورا كل باب..حدوتة


(1)
دخل حشمت أبو العزم إلى شقته عائداً من عمله في ميعاده اليومي، يحمل في يده كيساً من البلح الزغلول. استلقى في إرهاق واضح على أقرب كرسي للباب ووضع كيس البلح جانباً.. خرجت زوجته الست فاطمة من المطبخ و كل الدلائل تشير إلى أنها كالعادة لم تنتهي من تحضير الطعام..! فجلباب البيت المليء بالرقع الذي ترتديه .. و الكبشة التي تمسكها في يدها تدل على ذلك. اقتربت الست فاطمة من كيس البلح و ألقت نظرة عليه ثم قالت باستهجان واضح و بلهجة لا تخلو من السخرية:
إيه ده يا بو العيال..؟ بلح ! أمال فين البطيخة إياها بتاعة الموظفين..؟
رمقها زوجها حشمت بنظرة من طرف عينيه و آثر الصمت الرهيب
(2)
بعد تناول الغداء دخل حشمت غرفة النوم ليستريح قليلاً و لينال قسطاُ من النوم.. و بينما هو يتقلب على السرير من شدة الحر، سرح
بخياله بعيداً .... صحيح أن اسمه حشمت أبو العزم يبدو و كأنه اسم واحد من الأعيان أو الباهوات أو الباشوات.. إلاّ أنه بالطبع لم يكن كذلك..! فهو موظف إبن موظف إبن موظف , يحلم طول عمره بالمركز الحكومي المرموق و الوجاهة الاجتماعية, و يحلم و تحلم معه فاطمة و يحلم الأولاد كذلك بالشقة الواسعة و السيارة، يااااه السيارة.. يبدو أنه لن يستطيع الحصول على واحدة أبداً..! يبدو أن حلم شراء السيارة سيتبخر مثلما يتبخر المرتب أول كل شهر.. استسلم حشمت للأمر الواقع.. و بدأ يستسلم للنوم
3)استيقظ حشمت من النوم على صوت بائع الأنابيب و هو يضرب بمفتاح الأنبوبة على الأنابيب التي يحملها، فهذا الصوت كفيل بايقاظ الحي كله..! و قبل أن ينهض من فوق السرير ترامى إلى أذنيه صوت جارتهم "أم لبيب" و هي تحادث جارتهم "سوسو"! إنها إحدى هوايات حشمت المفضلة.. الاستماع إلى أحاديث أم لبيب مع سوسو!! فمحور الحديث كله عن ما لذ و طاب من الطعام الذي تعده أم لبيب و ترسل عينات منه لسوسو كعربون محبة و أخوة!! آآآه.. كم تمنى لو تصادق فاطمة أم لبيب..! يا ترى عن أي صنف سوف يتحدثون الآن..؟ أنصت حشمت باهتمام... سوسو:
تسلم ايديك يا أم لبيب، خدي بقى دوقي الكيكة دي و قولي لي رأيك..
أم لبيب: و ليه تاعبة نفسك بس..؟
سوسو: و هي دي تجي ايه جنب طبق الرز اللي بالخلطة اللي انتي بعتيه...!
أم لبيب: عجبك.. لا بس الصنوبر كان مستوي زيادة شوية.. و اللوز أصل اللوز كان ......
في هذه اللحظة دخلت فاطمة الغرفة على حشمت و سألته..
بتعمل ايه؟ إنت مش هتبطل بقى الخصلة المنيلة دي..؟
رمقها حشمت بنظرة من طرف عينيه و قال: فين الشاي..؟
(4)
بينما الأسرة ملتفة حول صينية الشاي و تتابع التلفزيون باهتمام، قاطع هاني لحظات الصمت قائلاً:
بابا هو إحنا مش هنشتري عربية بقى..!
حشمت: ايه اللي جاب السيرة دي دلوقتي بقى..؟
هاني: أصل جارنا أونكل شريف اشترى عربية جديدة.. انما ايه يا بابا عربية حلوة قوي.. تصور يا بابا العربية أوتوماتيك و فيها تكييف و فيها دي في دي بـ.... قاطعه حشمت ناهرا
و إنت عرفت منين كل الحاجات دي يا أستاذ..؟
- ما هو يا بابا كوكو ابن عمو شريف قال لي..
مين يا خويا..؟
كوكو يا بابا!!
كوكو في عينك، إسمه أكرم.. إياك أسمعك بتقول كوكو دي تاني.
حاضر يا بابا
ماله بقى يا سي هاني الأستاذ كوكو!
آه.. أكرم! أصله أخذني يفرجني العربية و لفينا بيها في المنطقة يعني ....
ها و بعدين...
و لا حاجة و احنا مش هنجيب عربية بقى يا بابا..؟
انحشرت مي في الحديث كالعادة..
آه يا بابا ربنا يخليك يا بابا عايزين عربية يا بابا زي بتاعة طنط ألفت يا بابا
هنا تدخلت الست فاطمة في الموضوع لتنقذ زوجها من هذا الحوار ..
بس يا ولاد سيبوا بابا يعرف يتفرج على الأخبار.. موضوع العربية ده نبقى نتكلم فيه بعدين..
لأول مرة منذ بداية اليوم يستبدل حشمت نظرته الجانبية المعتادة بنظرة امتنان للست فاطمة!

(5)
بينما يستعد حشمت كي يخلد للنوم دخلت الست فاطمة الغرفة بهدوء شديد، و جلست على حافة السرير بحذر ثم سألت هامسة:
إنت خلاص نمت يا حشمت..؟
تأفف حشمت (في سره طبعا)ثم قال: ليه في حاجة..؟
ابتسمت الست فاطمة و قالت و هي تنير الأباجورة جوار السرير:
لا أبداً بس الولاد صعبانين عليّا أوي، هيتجننوا عشان العربية.. ما هم يا عيني شايفين خالهم عنده عربية و جوز خالتهم.. و إنت كمان جوز أختك فادية عنده عربية.. ده غير أبو كوكو و أم مشمش ...و...
نهض حشمت ليجلس في تحفز و قاطعها ..
طب و أنا هعمل ايه.. ما كله على يدك يا فاطمة.. تنهدت الست فاطمة بحسرة و قالت:
أيوة يا خويا هو أنا قلت حاجة بس!! ثم ابتسمت في رضا و قالت: - و لا يهمك يا حشمت .. نام انت بس و استريح و متشلش هم.. ربنا يعدلها..
ربت حشمت على كتف الست فاطمة بامتنان.. و تبادلا نظرات ملؤها الحنان و العطف..
(6)
كان موضوع السيارة يشغل حشمت طيلة النهار.. إنه يتمنى أن يسعد أولاده و يحقق لهم أملهم و لكن ما باليد حيلة.، و في أثناء رجوع
حشمت من العمل و بينما هو محشور في المترو.. سرح بخياله بعيدا و تصور لو أنه يركب الآن سيارته المكيفة المريحة و يشغل فيها اسطوانة دي في دي كما أراد هاني.....ها ما أسهل الأحلام..!
و على الغداء.. بينما الجميع يأكلون بصمت.. نظر حشمت إلى هاني و مي و ابتسم.. فابتسموا بدورهم، فقال حشمت:
- أخبار عربية أبو كوكو ايه يا هاني..؟
رد هاني متلعثما.. - معـ.. معرفش يا بابا.. اتسعت ابتسامة حشمت و قال:
إيه رأيكوا يا ولاد لو مثلا افترضنا اننا هنجيب عربية هتبقى عاملة ازاي..؟
ابتسمت فاطمة و قالت: صالون طبعا.. رد هاني مسرعا:
لأ.. فور باي فور يا بابا أما مي فنظرت إليهم و سكتت.. قال حشمت:
و انتي يا مي.. طلباتك ايه؟
خفضت مي عينيها و خرجت كلماتها هامسة: مش لازم تعرفوا رأيي.. يعني هو احنا هنشتري عربية بجد..؟
رد هاني: يا فقرية.. متبقيش فقرية مش يمكن نكسب عربية مع كيس الشيبسي بتاع كل يوم؟
و ضحك هاني و اكتفت مي و الست فاطمة بالابتسام.. أما حشمت فسرح بعينيه بعيدا و استغرق في تفكير عميق...

0 Comments:

Post a Comment

<< Home